توفي المؤرخ السوري “محمد قجة” عن عمر يناهز الـ85 عاماً، ليل اليوم الأربعاء بعد أيام قليلة على إصابته بوعكة صحية.

ونعى المؤرخ الراحل الكثير من الناشطين والشخصيات الثقافية والاقتصادية. الذين أعربوا عن حزنهم لرحيل قامة ثقافية سورية كبيرة مثل “قجة”.

حمل الباحث والمؤرخ “محمد قجة” اسم جدّه الخامس الذي قاد انتفاضةً ضد الوالي العثماني “خورشيد باشا” فقابلها الاحتلال بالقمع والقتل.

لحق الحفيد الذي ولد في السابع عشر من كانون الثاني  عام 1939 بخطا جده. وحجز مكاناً له في تاريخ “حلب”  التي تسكنها عائلته منذ أكثر من 600 عام.

نشأ المؤرخ “محمد قجّة” في أحضان عائلة مولعة بالعلم والثقافة. حيث كان والده يباريه بالشِعر، ويوجهه لقراءة الكتب. فكان ديوان المتنبّي المكتوب بخط اليد، الرفيق الأول لـ ”قجة“. الذي حفّز عنده حبّ الشعر والأدب وحفظ القرآن والاطلاع على سير الملوك.

وبينما كان أقرانه من الأطفال يشترون الألعاب. كان “قجّة” يشتري الكتب ليبني مكتبة وصل حجمها لاحقاً إلى أكثر من 13 ألف كتاباً في التاريخ والفلسفة والعلوم الإنسانية المختلفة. بحسب ما ذكرت جريدة “البعث” في مقابلة معه.

لم يكد “قجة” يصل إلى المرحلة الإعدادية حتى بدأ بكتابة الشعر. وتابع تعليمه الثانوي في مدارس “حلب”. قبل أن يتوجّه إلى “دمشق” حيث نال الإجازة في اللغة العربية من جامعة “دمشق” عام 1963.

بداية حياته المهنية انطلقت من التعليم في مدارس “حلب”. ثم أصبح مديراً لثانوية “المأمون” أشهر مدارس عاصمة الشمال بين 1960 و1980.

دفع  الشغف بالعلم والتاريخ والأدب “قجة” إلى عدم الوقوف عند حدّ الوظيفة الإدارية. فانطلق إلى “الجزائر” حيث نال ماجستيراً في تاريخ الأندلس التي لطالما عبّر عن إعجابه بأيام عظمتها. حينما كانت عاصمةً للفكر والثقافة في العالم. واعترف الباحث السوري أنه لو كان سيختار عصراً ما ليعيش فيه، سيختار عصر قرطبة الأندلسية.

عاد “قجة” من سفره حاملاً قرار التفرّغ للتأليف والبحث والتوثيق. وتوّجت رحلة أبحاثه الطويلة باكتشاف موقع منزل “المتنبي” في “حلب”. وبدأ العمل على تحويله إلى متحف لكن اندلاع الحرب في البلاد حال دون ذلك.

أ أغارُ منها..؟ أم أغارُ عليها               حلب التي تهفو القلوب إليها

الرجل الثمانيني الذي يحمل إرثاً معرفياً شاملاً. ويلمُّ بمعارف شتّى وضع أكثر من 20 كتاباً تحوّلوا إلى مراجع أساسية عن “حلب”. منها: ”الكتاب الذهبي لتوثيق فعالية حلب عاصمة للثقافة“، ”فلسفة العمارة الإسلامية حلب نموذجاً“. ”الحياة الفكرية في العصر الأيوبي“، ”قلعة حلب صوت من التاريخ“، ”محطات أندلسيّة“. فضلاً عن عدد كبير من المقالات واللقاءات الصحفية التي باح خلالها بتفاصيل حبّه لمدينته.

في كتابه الأخير الذي حمل عنوان ”حلب في كتاباتي وقصائدي“. تحدث “قجّة” عن تاريخ حلب وحضارتها وعمارتها ووصف عاداتها وطقوسها والحياة الأدبية لكل كاتب عاش فيها. وكتب:

أ أغارُ منها..؟ أم أغارُ عليها

حلب التي تهفو القلوب إليها

كم من شهيد هامَ في أفيائها

فغدا سفيرَ العاشقين لديها

هذا كتاب العارفين مقامها

والقاطفينَ النجمَ من خدّيها.

رحلة “قجّة” المهنية كانت حافلة بتسلّمه لمناصب ومهام عدة. فترأس “جمعية العاديات” التي تهدف لحماية الآثار والتراث السوري عام 1994. وعمل على توسيع نشاطها ونشر فروعها في المدن السورية ورفد مكتبتها بأكثر من 15 ألف عنوان إضافة إلى مئات الأشرطة المسجّلة وأشرطة الفيديو وآلاف الصور والوثائق.

وفي عام 2006. تسلّم منصب الأمين العام لاحتفالية “حلب” عاصمة الثقافة الإسلامية. التي اعتبرها رئيس المنظمة الإسلامية “عبد العزيز التويجري”. نموذجاً ناجحاً يمكن تطبيقه في احتفاليات العواصم الثقافية الأخرى. وفق ما ذكرت وكالة سانا.

كما عيّن ”قجّة“ مستشاراً لـ”اليونيسكو” في “سوريا” لشؤون التراث اللا مادي عام 2010. ونال عضوية الاتحاد العام للآثاريين العرب. واتحاد الكتّاب العرب. والمجلس الوطني للإعلام، والجمعية السورية لتاريخ العلوم ومعهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب.

في عام 2010 خرج “قجّة” بدراسة قال خلالها أنه تمكّن من تحديد موقع منزل “المتنبي” في “حلب”. وقال في حديثه لموقع “Esyria” أن المكان الذي تقع فيه المدرسة “الصلاحية” هو  نفسه المكان الذي كان قد أقيم فيه منزل “المتنبي”. مشيراً إلى أن وزارة الثقافة وافقت على تحويل المدرسة إلى متحف. لكن اندلاع الأزمة حال دون ذلك.

وفاة محمد قجة أحدثت صدمة كبيرة في الأوساط الثقافية السورية. فهو رجل الثقافة الكبير الذي كان بيته مقصداً للكتاب والشعراء. من أمثال “أدونيس وفاتح المدرّس وطلال حيدر ويوسف زيدان وصباح فخري”. حصل على  عشرات الدروع والتكريمات من جهات رسمية وأكاديمية تكريماً لتاريخه.

أعلن في شمرا